25‏/02‏/2012

مهزلة مؤتمر تونس


مهزلة مؤتمر تونس
الشرق الاوسط اللندنية

GMT 0:54:00 2012 السبت 25 فبراير




عبد الرحمن الراشد


كأني بالرئيس السوري بشار الأسد يضحك ملء شدقيه وهو يراقب اجتماعا فاشلا آخر. ومن حقه أن يسخر منا جميعا؛ فقد مر عام من الاجتماعات الهزلية من دون أن تحاول أي منظمة أو قوة أو دولة في العالم تحدي ما يفعله. دباباته تدك المدن علانية، ولا نرى سوى اجتماعات جدلية، حتى إن التلفزيون الرسمي السوري كان ينقل بيانات مؤتمر أصدقاء سوريا في تونس بلا حرج؛ لأنها رسائل إحباط للشعب السوري المحاصر؛ فالمؤتمر يصلح لشعب يعاني المجاعة، أو منكوب بكارثة زلزال، لا شعب يُقتل بالأسلحة الثقيلة كل يوم.

ويضحك الأسد لأن مطالب العالم تراجعت إلى درجة صارت أقصى مطالب المؤتمرين تستأذنه بساعتين فقط في اليوم يسمح فيهما بمرور الإغاثة للمحتاجين. وأضاف إليهما رئيس تونس دعوة الرئيس السوري لاستضافته وعائلته في تونس، كما لو أن الأسد هو بن علي تونس أو صالح اليمن محاصر يحتاج إلى تذكرة وتأشيرة سفر. لماذا يقبل الأسد دعوة الرئيس التونسي ويغادر دمشق في وقت لا أحد فيه يتحداه عسكريا سوى آلاف المتظاهرين العزل الذين يُقتلون أمام كاميرات الصحافة بلا عقاب أو حساب؟

وأقصى علامات الفشل ما عبَّر عنه الأمين العام للجامعة العربية، نبيل العربي، الذي قال إنه لا يوجد حل سوى الحل العربي، أي الخطة العربية، وهي أن يبقى الأسد حاكما ويرمي قطعة من اللحم، بضع وزارات لمن يرضى عنهم بشار من المعارضة. هذه المأساة السورية، اجتماعات ومؤتمرات وحلول وخطط وعام مر بآلاف القتلى والجرحى والمعتقلين وشعب محاصر بأكمله، مأساة أكملت عاما ولم تتوقف. والأسوأ أن الحصار داخلي وخارجي؛ فالشعب ممنوع من الحصول على الدعم الخارجي، ومحرم عليه الاستعانة أو طلب التدخل الدولي. وبخلت عليه الجامعة العربية حتى بكرسي يمثلها. ولم تقدم أي دعم على الإطلاق، لا مدنيا ولا عسكريا. وفي الوقت نفسه تمخر السفن الحربية الروسية والإيرانية لتمد النظام بالسلاح والرجال والمال ولم يعترض أحد!

ما الحل؟ الحل الوحيد لحماية الشعب السوري يقوم على أحد خيارين لا ثالث لهما: إما التدخل الدولي عسكريا لوقف المجازر، كما حدث في الحالتين البوسنية والليبية، وإما تمكين الشعب السوري من السلاح للدفاع عن نفسه. بقية الخيارات تطيل الأزمة وتعطي شرعية لما يفعله النظام من ارتكاب المجازر؛ ففتح ممرات إنسانية لا يعني أن على النظام وقف القتل، بل تضميد جراح الضحايا.

طبعا كلنا قلق من اللجوء إلى تسليح الناس، إنما لم يعد هناك خيار آخر في ظل عجز العرب عن التدخل، وهو أمر مستحيل تماما، ويبدو أن الأتراك لا يريدون التدخل أيضا، ولا «الناتو»، ولن يسمح الروس لمجلس الأمن بإقرار التدخل الدولي. بعد هذا كله لم يعد هناك من حل سوى مد الجماعات السورية بالسلاح بكل الطرق المختلفة. فحق الدفاع عن النفس والأرض والعرض أمر مشروع دوليا لا يحتاج إلى إذن مجلس الأمن أو غيره.


إيلاف / رأي

معالي ذات الوزارات الثلاث و... كلبتها
عثمان العمير

GMT 12:36:00 2012 الجمعة 17 فبراير

أمر بديع أن تقابل بشرًا مختلفين، بشرًا يحملون تعابير جديدة، وأرواحا جديدة، ويحلمون بآفاق جديدة.

للبلدان الصغيرة، المنثورة كحبات العقد على الخارطة الأوروبية، مذاقات خاصة، مع الكثير من رائحة النبيذ المعتق. وعلى صغر حجمها، ومحدوديّة سكانها، وتاريخها الحافل بالمعاناة، إلا أنها تتبارى في إثبات تميّزها، وسعيها الحثيث من أجل النمو والمعرفة والإسهام في عملية التقدم الإنساني. عندما تحط في ليتوانيا أو لاتفيا أو إستونيا، في الشمال القصي، أو في موناكو، أو سلوفينا، وبلجيكا في الجنوب... فأنت تشاهد أقوامًا على درجة من التمايز والتميّز، والاختلاف الذي لا يحتاج إلى عمق في الملاحظة. ثم ترى تلك الأناقة التي تحترم الأحجام الصغيرة، وترى قوتها في قزميّتها الحجمية.
هذه المرة، وبعد استقبال العام الجديد، أخطرنا صديق عزيز أننا مدعوون إلى لاتفيا، مع بشارة أن تكون هذه الدعوة حجّا وبيع سُبَح. فامتطينا صهوات الجو مرورًا خفافًا على برشلونة، وناديها الرياضي المفتون به جلّ شبان الأعاريب. قال مارتن اللاتفي: أنا لن أمرّ على برشلونة، وأمّنت على ذلك زوجته (لقد مررنا بتجربة سرقة سخيفة). إذًا إلى ريغا عاصمة لاتفيا، ذات مساحة 64559 كم وسكان لا يصلون إلى المليونين، عند استثناء العمال في الخارج. المطار صغير، الشعب صغير، أما الوجوه فأملح من مليحة.
قلت لمارتن: أريد أن أمتص هذه المدينة الأقل من 800 ألف إنسان. قهقه مارتن، وقهقه معه جسده الضخم. قال: حاولها غيرك، وذهبوا وبقيت لاتفيا بأقاليمها. أنظر من النافذة، لترى آثار الأقوام من الغزاة، تركوا آثارهم وذهبوا. هنا الألمان الذين نقلوا إلى بلادنا المسيحية، بفرعيها الكاثوليكي واللوثري. وهناك البولنديون والسويديون، الذين خلفوا قصة حب ترددها الأجيال، وهنا الروس الذين احتلوا بلادنا مئتي سنة منذ القرن الثامن عشر حتى القرن العشرين. تدخلت جولييت، وهي حسناء يستعد الحسن لمغادرتها لكن ذكاءها اللمّاح ومعلوماتها عن بلادها مقيمان: عمرنا 800 عام كله حروب وغزاة. ومن هنا، ترى أننا على صغر حجمنا نعجّ بالأساطير، الرامزة للجنس، والحب، والوله، والعشق، والخلاص. لستم وحدكم أهل الجنوب، والشرق، تملكون خصوبة الخيال، وسعة المخيلة.
انتهى الحوار على لقاء.
***
قال مارتن: آه... وجدتها. إنها وزيرة الثقافة لمدة ثلاث سنوات، ستكون خير من تتكلم معك وتكتشف لاتفيا.
هل قلتَ الوزيرة؟ صدح صوت في أعماقي. "الوزراء لدينا لا يستقبلون أحدًا. فكيف يشرحون للغرباء؟ إنهم مشغولون بلبس البشوت وأناقة البدل، وتدبير مستقبلهم وأولادهم". ثم استنشقت الهواء، وربما تمضمضت... (بس هم على حق!) و... خمد الصوت.
حسناً إذًا، لندبر سيارة للذهاب إليها، كما أحتاج إلى بدلة أنيقة. هل لديكم محلّ للملابس، أرجو أن تكون الصناعة لاتفية؟ تعبت من لبس الماركات... أصبحت مملة. إنني سأقابل سيدة، ووزيرة. قال مارتن: وأزيدك من الشعر بيتا (والله قالها أما الترجمة فعلى الذمة التي تزداد اتساعا)! كانت وزيرة للتنمية وللحكم المحلي وعضوًا في حزب الائتلاف الوطني... والآن رئيسة الغرفة التجارية... إذن هي أصولية؟ (الصوت في داخلي. لا غير! معظم الكبراء ورجال الأعمال لدى قبائل بني صامت يتسولون اللحويين. وهي لديها كل المواهب لتكون كما هم).
قال مارتن: إنها ستأتي إليك. إلي... أنا؟ استيقظت الشهامة النائمة... من باب التقدير قلت، أرسل إليها سيارة.
مارتن: لا لا إنها ستأتي ماشية! لكن ترجو أن تأتيك في المقهى جانب الأوتيل. اسم المقهى كراج، ملاصق لفندقك برغز. (آه... فاهمتني غلط معالي الوزيرة، تقدم البطاقة وتطلع فوق!) كدت أقولها لولا إنه عاجلني بطعنة. لا، إن معها كلبا، وفندقك لا يبيح دخول الكلاب.
لنلتقي الثانية عشرة.
***
Zaneta Janyzeme Grand
سيدة دخلت مع كلب تتأبطه... اكتشفت أنها آنسة عمرها سبعة أشهر. ما زالت رضيعة، يعني أقل من سبع سنوات مما نعد، من أعمارنا.
إنني سعيد بلقائك معالي الوزيرة. لم اتوقع أن تتجشمي هذا العناء وملاقاتي يوم أحد ممكن قضاؤه مع عائلتك، انني ممتن لهذا التكريم.
بالعكس هذا واجبي... آه... نعم شكرًا. سأشرب كأسا أبيض من العنب. لكن قل لي من أنت؟ ولماذا أتيت إلى هنا؟
اللعنة!
وزير يستقبلك وهو لا يعرفك؟ وما تبتغي؟ ابتغي؟ جل أن يُسمى كما قال عمنا الكوفي.
الكلبة بدأت تمارس دورها في التعرف والشمشمة ما منحني التنفس. ذهب خيالي إلى معالي المسؤولين في بلاد بني صامت وما في داخلها من مدن ملح وقرايا وحصاني... تذكرت... كيف يبدأون جرابيع صغيرة... تحمل دكتوراه مزيفة، ومعروضة للبيع، تذكرت انهم لا يأتون إلى العباد الذين يمشون على الأرض لكنهم يتزلفون كالذباب على الموائد المخضرة. قبل لقائها بليلة رأيت السيد المالكي رئيس العراق وحاكمها يستعرض جيشه... كالهر يحاكي اختيالا مشية الأسد.
ضحكت... لم أرد. خشيت أن أكشف لها سوأتي.
***
استقلت من الوزارة بعدما أمضيت فيها سنوات، لأسباب صحية.
لم اسألها بالطبع، فليس من شيم أهل الفسطاط الآخر أن يسألوا الناس عن أديانهم، أو أعمارهم، أو حالاتهم أو أوضاعهم الزوجية، أو دخولهم المالية.
أكملت: أصبحت مهتمة بالثقافة والفن، لا شيء أروع، أن تكون مهتمًا بالإنسانيات. عملت ما في وسعي للقيام بواجبي نحو الثقافة. نحن بلد صغير، لكنه يكتنز العديد من التجارب والمحن. عليك أن تذهب إلى المتحف لترى بنفسك ما مرّ على شعبنا من محن. نحن نؤدي دورًا محوريا، وإن كان شعبنا صغيرا بعدد سكانه فهو كبير بتجاربه.
آه... ريتشارد فاغنر كم أحببته. لقد تخصصت فيه. مرّ في بلادنا مع زوجته، وخدم فيها، لكنه هرب. أكرمناه، وضعنا اسمه على شارع في العاصمة ونحن نتذكره كما نتذكر فرانز ليست وبقية النوابغ. وأخذنا الحديث حول الفن والثقافة وأوروبا بتشعباتها، وأحوالها، ولم ننس الحديث عن النفط، ولم لا ووالدها أحد مكتشفي نفط بحر الشمال... ابني يدرس في اسكتلندا، كما جده، أبي.
***
لست على معرفة بالعرب. زرت إسرائيل، لم تعجبني حالة التطرف فيها، وزرت مصر، ولا أعرف العالم العربي. كل ما أعرفه أن العرب يأتون إلى لاتفيا من أجل بناتنا الجميلات. هل هذا صحيح؟
سيدتي الوزيرة: ربما... وهذا مدعاة للفخر! أما أنا، فلست في حاجة إلى السفر، إنهن ينتشرن في لندن كالفراشات.
ودعت معالي الوزيرة، ولم يكن بودي أن أودع ريغا.
أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه